الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده أما بعد
فقد انتقد بعض من لا علم لهم بفن الحديث الصحيحين ، واستشهدوا بما تتبعه الدارقطنى ولم يدروا لم تتبع الدارقطنى أصلاً فانما تتبع لينقح أما هم فقد تتبعوا ليشككوا فى الصحيحين ليثبتوا الحادهم ..
ألخص تلك الردود مع التمثيل لها فى عجالة سريعة - ان شاء الله - رداً على أولئك الذين لم يحسنوا الا الحرب على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - :
هذه الاستدراكات كانت فى الصناعة الحديثية وليست فى أصل المتن يعنى أن الحديث صحيح الا أن من خرجه ترك الطريقة الأفضل لتخريجه واعتمد طريقاً به علة ، فعلى سبيل المثال ذكر الدارقطنى حديثاً وعلق عليه بالتالى :
" أخرج مسلم عن المقدمى عن حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر قبل الحجر
وقد اختلف فيه على حماد بن زيد وأيوب وقد وصله مسدد والحوضى عن حماد
وخالفهم سليمان وأبوالربيع وعارم فأرسلوه عن حماد
قال ابن علية عن أيوب نبئت أن عمر - ليس فيه نافع -
وهو صحيح من حديث سويد بن غفلة وعابس بن ربيعة وابن سرجس عن عمر "
فحكم الدارقطنى بصحة الحديث عن ثلاثة عن عمر وأعل طريقاً واحداً من اجل اختلاف الرواة
وذكر الدارقطنى حديثاً آخر فقال " وأخرج البخارى حديث عمران بن حطان عن ابن عمر عن عمر فى لباس الحرير
وعمران متروك لسوء اعتقاده وخبث رأيه والحديث ثابت من وجوه عن عمر"
أى أنه يذكر أن الحديث ثابت من وجوه ؛ وجوه صحيحة فيها نزول "يعنى يبعد فيه البخارى عن الراوى" ، ووجه فيه علو "يعنى يقل عدد الرواة مما يؤدى الى علو السند" الا أن به ضعفاً .. فذكر البخارى الحديث الثابت لكنه بسند فيه مقال لأجل العلو
وهكذا فان الحديث قد يكون صحيحاً باتفاق الا أن صناعته بها كلام وللأئمة فى ذلك حجة .. كالذى رواه النووى فى شرحه لمقدمة مسلم ناقلاً عن ابن الصلاح أنه لما انتقد أبوزرعة رواية مسلم عن بعض الضعفاء فرد مسلم بأنه انما روى الحديث الذى ثبت ابتداءاً بسندهم لما فيه من العلو - أى القرب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -
كتب الحديث تقسم الأحاديث الى قسمين (أصول + متابعات وشواهد) فالأصول هى الأحاديث الصحيحة على شرط صاحب الكتاب أما المتابعات والشواهد فقد يقع فيها ضعف لأنها انما جائت تعضيضاً للصحيح وتقوية له وهى كثيرة فى الصحيحين ويذكرها صاحب الكتاب بلا سند تعليقاً على حديث الباب وقد تتبعها علماء الحديث وبينوا أحكامها منفصلة
وقد يذكر الشيخان الحديث المعتل مقترناً بالذى لا علة به ليبينا علله
وفعل هذا البخارى - دون أن ينبه عليه - فيذكر الرواية الأصلية الصحيحة ويذكر الرواية الأخرى ليبين علتها
أما مسلم فقال فى مقدمة صحيحه " وسنزيد ان شاء الله - تعالى - شرحاً وايضاحاً فى مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة إذا أتينا عليها " أ.هـ .. هذا يعنى أنه سيذكر أحاديثاً معتلة مقترنة بأخرى تبين علتها .. وهذا من فن علماء الحديث ولا يعلمه العوام
وغير ذلك فقد أوهم الدارقطنى فى مواضع من تتبعه فقال على سبيل المثال " أخرج مسلم حديث عبدان عن أبيه عن شعبة عن أبى اسحاق عن ابن عبدالرحمن أن عثمان أشرف عليهم " والحديث للبخارى وليس لمسلم
ثم قال الداقطنى " وأخرج - يعنى مسلماً - حديث الثورى وشعبة عن علقمة خيركم من تعلم القرآن وعلمه " والحديث أيضاً فى البخارى وليس فى مسلم .. فهذا وهم فى العزو
وغيره من الوهم فى الحديث ما رده عليه الحافظ أبومسعود الدمشقى فقال " قال أبوالحسن وأخرج - يعنى مسلماً -
عن داود بن رشيد عن الوليد عن الأوزاعى عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة :
كانت الصلاة تقام لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يخرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ..
قال : ويقال هذا الاختصار وهم لعله من الوليد لأن غيره يرويه عن الأوزاعى باسناده ..
قال أبومسعود : وأظن على بن عمر (الدارقطنى) علق على هذا الحديث من حفظه أو من تعليق فيه خطأ ولم يتأمله .. فأما الحديث الذى ذكره مختصراً فهو حديث تفرد به الوليد
وقد أخرجه مسلم عن ابراهيم بن موسى لا عن داود عن الوليد عن الأوزاعى عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة مثله سواء
والحديث لغير داود بن رشيد رواه محمد بن وزير والناس عن الوليد كما رواه مسلم عن ابراهيم بن موسى عن الوليد ..
والحديث الثانى الذى يزعم أنه الصواب فمشهور عن الأوزاعى عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة .. وقوله أخرجه عن داود خطأ ، وقوله عن يحيى ابن كثير خطأ أيضاً ، انما الحديثان معروفان من حديث الأوزاعى " أ.هـ
فهنا قد وقع الدارقطنى فى وهم " حيث ظن أن مسلماً روى الحديث عن داود وفيه يحيى بن كثير" وبنى عليه حكماً وهذا خطأ انما أخرجه مسلم من حديث ابراهيم بن موسى مكان داود وعن الزهرى مكان يحيى بن كثير ، وقد ذكر أبومسعود أحاديثاً أخرى أوهم فيها الدارقطنى ..
زيادة الثقة : اختلف فيها أهل الحديث بين من قبل ومن ورد ومن قبل بعضها ورد بعضها وهكذا حال البخارى ومسلم فانما رجحا بعض الزيادات لصحتها عندهما من وجه أو آخر، وهذه مسألة مختلفة بين علماء الحديث وللشيخين فيها مذهب قوى
وعلى كل حال فان تتبع الدارقطنى للصحيحين رد أكثره أهل العلم ووافقه على بعضها بعضهم وانما ذلك لمشكلة فى صناعة الحديث لا فى صحة المتن كما تقدم فى البند الأول من هذا الملخص والله أعلم
أما كلامه عن رد الامام مالك لأحاديث البخارى ومسلم فهذا من الخبل فان مالكاً قد توفى قبل كتابة الصحيحين بزمن كبير ، أما ان قال ان مالكاً عرضت عليه الأحاديث وأنكرها فهذا يعلل بقلة ما بلغ مالك من الحديث عما بلغ من جاء بعده فمالك لم يغادر المدينة أما البخارى ومسلم فقد طافا الأرض بحثاً عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ثم ان ذلك أغرب فى كلامك عن أبى حنيفة فان أبا حنيفة كان سابقاً لمالك فى الزمان ، ولعلك قلت ذلك لما عرف عن البخارى من انتقاده للحنفية فى فقههم لتأثره بشيخه الحميدى وغيره ممن بالغوا فى الرد على الحنفية الا أننى لا أعلم أن أبا حنيفة قد رد أحاديثاً فى صحيح صنف بعد وفاته ..
ثم ان ابهامك للأمر بلا سند أو دليل أو مرجع يقدح فيه ، فمن أين أتيت بتلك المعلومات القيمة جداً عن رد مالك وأبى حنيفة لأحاديث البخارى ومسلم ؟
بل من أين أتيت برد مسلم لأحاديث البخارى ؟ أين مصدر كلامك ؟ ولا تقل قال فلان أو علان بل اذكر اصل الكلام هو مذكور فى موضع كذا من كتاب كذا حتى نستطيع أن نرجع اليه والا فأنت كذاب ..
أما عن رد الشيخ الغزالى - رحمة الله عليه - أحاديثاً فى البخارى فقد رد عليه أئمة الحديث بل ورد عليه تلميذه الشيخ القرضاوى .. بل ورد عليه الشيخ الألبانى - رحمه الله - نفسه
اذاً هل لم يضعف الألبانى شيئاً فى الصحيحين ؟
قد تكلم فى أحاديث معدودة جداً لمشكلة فيها ولعله أخطأ فى ذلك - رحمه الله - ،
والسبب كما أسلفنا أن البخارى ومسلماً لايخفى عليهما ما فى أحد الرواة من ضعف فقد يخرجا عن ضعيف ما ثبت عن غيره من الثقات لعلو فى السند أو يخرجا عنه ما لم يضعف أو يخرجا عنه ما له متابعة على شرطيهما
والخلاصة أن كل تضعيف لحديث في الصحيحين بزعم ضعف أحد رواته فإن التضعيف مردود ولا حجة لمضعفه البتة .فالراوي الضعيف الموجود في الصحيحين تجاوز مرحلة النقد في خصوص روايته التي خرّجها الشيخان لأسباب بيّنها الحفاظ وأهل المصطلح . وما وقع من الشيخ الألباني - رحمه الله - أو حتى الشيخ الغزالى - رحمه الله - مما لا سلف لهما في التضعيف زلة لا يتابع عليها ونعتذر عنه بعدم العصمة
والله أعلم